الأحد، 12 فبراير 2017

الحضارة الصينية

حضارة صينية
تعتبر الحضارة الصينية من أقدم وأعرق الحضارات وذلك ليس في آسيا وحدها ولكن في حضارات العالم أجمع ، وليس هناك أنسب من قول فولتير ووصفه لتلك الحضارة حين قال: "لقد دامت هذه الإمبراطورية أربعة آلاف عام دون أن يطرأ عليها تغير يذكر في القوانين ، أو العادات ، أو اللغة ، أو في أزياء الأهلين. وإن نظام هذه الإمبراطورية لهو في الحق خير ما شهده العالم من نظم".
وهذا الإجلال الذي ينظر به علماء ذلك الوقت إلى بلاد الصين قد حققته دراستنا لتلك البلاد عن كثب ، والذين خبروا تلك البلاد وعرفوها حق المعرفة قد بلغ اعجابهم بها غايته. أنظر إلى ما قاله الكونت كيسرلنج Count Keyserling في خاتمة كتاب له يعد من أغزر الكتب علما وأعظمها نفعا وأبرعها تصويراً:
"لقد أخرجت الصين القديمة أكمل صورة من صور الإنسانية. وكانت فيها صور مألوفة عادية. وأنشأت أعلى ثقافة عامة عرفت في العالم كله. وإن عظمة الصين لتتملكني وتؤثر قيّ كل يوم أكثر من الذي قبله. وإن عظماء تلك البلاد لأرقى ثقافة من عظماء بلادنا. وإن أولئك السادة لهم طراز سام من البشر. وسموهم هذا هو الذي يأخذ بلبي. إن تحية الصيني المثقف لتبلغ حد الكمال. وليس ثمة من يجادل في تفوق الصين في كل شأن من شئون الحياة. ولعل الرجل الصيني أعمق رجال العالم على بكرة أبيهم".
والصينيون لا يهتمون كثيراً بإنكار هذه الأقوال ، وقد ظلوا حتى هذا القرن )ماعدا نفراً قليلاً في الوقت الحاضر( مجمعين على أن أهل أوربا و أمريكا برابرة همج. وكان من عادة الصينيين قبل سنة 1860 أن يترجموا لفظ "أجنبي" في وثائقهم الرسمية باللفظ المقابل لهمجي أو بربري ، وكان لا بد للبرابرة أن يشترطوا على الصينيين في معاهدة رسمية إصلاح هذه الترجمة. والصينيون كمعظم شعوب الأرض "يرون أنهم أعظم الأمم مدنية وأرقهم طباعاً". ولعلهم محقون في زعمهم هذا رغم ما في بلادهم من فساد وفوضى من الناحية السياسية ، ذلك أن ما وراء هذا المظهر المظلم الذي يبدو الآن لعين الغريب عن بلادهم مدنية من أقدم المدنيات القائمة في العالم وأغناها: فمن ورائه تقاليد قديمة في الشعر ، يرجع عهدها إلى عام 1700 ق. م ، وسجل حافل بالفلسفة الواقعية المثالية العميقة غير المعجزة الدرك ، ومن ورائه براعة في صناعة الخزف والنقش لا مثيل لها من نوعها ، واتقان مع يسر لجميع الفنون الصغرى لا يضارعهم فيه الا اليابانيون ، وأخلاق قويمة قوية لم نر لها نظيراً عند شعوب العالم في أي وقت من الأوقات ، ونظام إجتماعي ضم عدداً من الخلائق أكثر مما ضمه أي نظام آخر عرف في التارخ كله ودام أحقابا لم يدمها غيره من النظم ، ظل قائما حتى قضت عليه الثورة ويكاد ان يكون هو المثل الأعلى للنظم الحكومية التي يدعو اليها الفلاسفة ؛ ومجتمع كان راقيا متمدنا حين كانت بلاد اليونان مسكن البرابر ة؛ شهد قيام بابل و آشور ؛ وبلاد الفرس و اليهود ، و أثينا و روما و البندقية و أسبانيا ، ثم شهد سقوطها كلها ، وقد يبقى بعد أن تعود بلاد البلقان التي نسميها أوربا إلى ما كانت عليه من جهالة وهمجية. ترى أي سر عجيب أبقى هذا النظام الحكومي تلك القرون الطوال ، وحرك هذه اليد الفنية الصناع ، وأوحى إلى نفوس اولئك القوم ذينك العمق والاتزان؟

الدولة الوسطى الزاهرة

إذا عددنا روسيا بلادا أسيوية - وقد كانت كذلك إلى أيام بطرس الأكبر وقد تعود أسيوية مرة أخرى - لم تكن أوربا الا أنفا مسننا في جسم آسيا ، وإمتدادا يشتغل بالصناعة من خلفه قارة زراعية كبيرة ، ومخالب أو نتوءات ممتدة من قارة جبارة مهولة. وتشرف الصين على تلك القارة المترامية الأطراف ، وهي لا تقل عن أوربا في اتساع رقعتها وتعداد عامرها. وقد كان يكتنفها في معظم مراحل تاريخها أكبر المحيطات وأعلى الجبال ، وصحراء من أوسع صحارى العالم.
لذلك إستمتعت بلاد الصين بعزلة كانت هي السبب في حظها النسبي من السلامة والدوام ، والركود وعدم التغيير ، وهو حظ كبير اذا قيس إلى حظ غيرها من الأمم. ومن أجل هذا فان الصينيين لم يسموا بلادهم- الصين ، بل سموها تيان- هوا- "تحت السماء " أو زهاي- "بين البحار الاربعة"-أو جونج- جوو "الدولة الوسطى"- أو جونج- هوا- جوو- "الدولة الوسطى الزاهرة" أو الاسم الذي سماها به مرسوم الثورة جونج- هوا- مين- جوو- "مملكة الشعب الوسطى الزاهرة". والحق ان الازهار اليانعة كثيرة فيها ، كما ان فيها كل المناظر الطبيعية المختلفة التي يمكن ان تهبها اياها الشمس الساطعة ، والسحب السابحة ، وشعاب الجبال الوعرة ، والانهار العظيمة ، والاغوار العميقة ، والشلالات الدافقة بين التلال العابسة. ويجري في قسمها الجنوبي الخصيب نهر يانج- دزه الذي يبلغ طوله ثلاثة آلاف ميل ، وفي الشمال يتحدر الهوانج هو ، أو النهر الأصفر من سلاسل الجبال الغربية مخترقا سهولا من اللويس ، ويحمل معه الغرين ليصبه الآن في خليج بتشيلي ، وكان من قبل يصبه في البحر الاصفر ، ولعله سيعود في الغد فيصبه في هذا البحر مرة أخرى. على ضفاف هذين النهرين وعلى ضفتي نهر الواي وغيره من المجاري الواسعة ، بدأت الحضارة الصينية تنتزع الارض من الوحوش والآجام ، وتصد عنها الهمج المحيطين بها ، وتنظف الارض من الحسك والعليق ، وتطهرها من الحشرات المهلكة والرواسب الأكالة القارضة كأملاح البوتاسا وغيرها. وتجفف المناقع ، وتقاوم الجفاف والفيضان ، وما يطرأ على مجاري الأنهار من تحول يعود على البلاد وسكانها بالخراب والهلاك ، وتجري الماء في صبر وحذر من اولئك الاعداء الأوداء في آلاف القنوات ، وتقيم يوما بعد يوم خلال القرون الطوال أكواخا وبيوتا ومعابد ومدارس وقرى ومدنا ودولا. ألا ما أطول الآجال التي يكد الناس خلالها ليشيدوا صرح الحضارة التي يدمرونها في سهولة وسرعة عجيبتين.
وليس في الناس من يعرف من أين جاء الصينيون ، أو إلى أي جنس ينتسبون ، أو متى بدأت حضارتهم في الزمن القديم. وكل ما نستطيع أن نقوله واثقين أن بقايا "إنسان بيكين" توحي بأن السلالة البشرية جد قديمة في بلاد الصين. وقد استنتج أندروز Andrews من بحوثه في تلك البلاد أن منغوليا كان يعمرها من عشرين ألف سنة قبل الميلاد أجيال من الناس تشبه أدواتهم الأدوات "الأزيلية" التي كانت أوربا تستخدمها في العصر الحجري الأوسط ، وأن خلفاء هذه الاجيال انتشروا في سيبيريا والصين حينما جفت منغوليا الجنوبية وأجدبت واستحالت إلى صحراء جوبي الحالية. وتدل كشوف أندرسن Anderson وغيره في هونان و منشورياالجنوبية على أن ثقافة تنتسب إلى العصر الحجري الحديث وجدت في تلك البلاد متأخرة بألفي عام من مثيلتها في عصر ما قبل التاريخ في مصر و سومر. ويشبه بعض ما وجد من الادوات في الرواسب الباقية من العصر الحجري الحديث ، في شكله وتسنينه ، المدى الحديدي التي يستخدمها سكان الصين الشمالية في هذه الايام لحصاد الذرة الصينية ، وهذه الحقيقة على ضآلة شأنها ترجح القول بأن الثقافة الصينية قد دامت سبعة آلاف عام متواصلة غير منقطعة ، وهو عهد ما أطوله ، وقل أن يوجد له في غير الصين نظير.
على أن طول هذه العهود يجب ألا يغشى أبصارنا فنبالغ في تجانس هذه الثقافة أو تجانس الشعب الصيني نفسه. فقد يلوح أن بعض فنونهم وصناعاتهم الأولى جاءتهم من بلاد النهرين و التركستان. من ذلك أن خزف هونان المنتمي إلى العصر الحجري الحديث لا يكاد يفترق في شيء عن خزف أنو و السوس. والجنس "المغولي" الحاضر مزيج معقد اختلطت فيه السلالة البدائية مرارا وتكرارا بمئات السلالات الغازية أو المهاجرة من منغوليا وجنوب روسيا (السكوذيين) ووسط آسيا. فالصين من هذه الناحية كالهند يجب ان نشبهها بأوربا بأكملها لا بأمة واحدة من أممها؛ فليست هي موطنا موحدا لأمة واحدة ، بل هي خليط من أجناس مختلفة الاصول متباينة اللغات غير متجانسة في الاخلاق والفنون ؛ وكثيرا ما يعادي بعضها بعضا في العادات والمبادئ الخلقية والنظم الحكومية.

القرون الغابرة المجهولة

تسمى الصين "جنة المؤرخين" ؛ ذلك أنها ظلت مئات وآلافا من السنين ذات مؤرخين رسميين يسجلون كل ما يقع فيها ، وكثيرا مما لا يقع. على أننا لا نثق بأقوالهم عن العهود السابقة لعام 76 ق. م ، ولكننا اذا استمعنا إلى هذه الاقوال رأيناهم يحدثوننا أحاديث مفصلة عن تاريخ الصين منذ 3000 ق. م ، ورأينا أكثرهم تقى وصلاحا يصفون خلق العالم كما يفعل المطلعون على الغيب في هذه الايام.
ومن أقوالهم في هذا أن "بان كو" أول الخلائق استطاع أن يشكل الأرض حوالي عام 2.229.000 ق. م بعد أن ظل يكدح في عمله هذا ثمانية عشر ألف عام. وتجمعت أنفاسه التي كان يخرجها في أثناء عمله فكانت رياحا وسحبا ، وأضحى صوته رعدا ، وصارت عروقه أنهارا ، واستحال لحمه أرضا ، وشعره نبتا وشجرا ، وعظمه معادن ، وعرقه مطرا ؛ أما الحشرات التي كانت تعلق بجسمه فأصبحت آدميين.
وليس لدينا من الادلة القاطعة ما ننقض به هذا العلم الكوني العجيب. وتقول الاساطير الصينية ان الملوك الاولين حكم كل منهم ثمانية عشر ألف عام ، وانهم جاهدوا أشق جهاد ليجعلوا من قمل "بان كو" خلائق متحضرين. وتقول لنا هذه الاساطير ان الناس "كانوا قبل هؤلاء الملوك السماويين كالوحوش الضارية يلبسون الجلود ويقتاتون باللحوم النيئة ، ويعرفون أمهاتهم ، ولكنهم لا يعرفون آباءهم"- ولا يرى استرندبرج strendberg أن هذا الوصف الاخير مقصور على الأقدمين أو على الصينيين. ثم جاء من بعد هؤلاء الامبراطور فوشي في عام 852 ق. م بالتحديد ، فعلم الناس بمعاونة زوجه المستنيرة الزواج ، والموسيقى والكتابة والتصوير ، وصيد السمك بالشباك ، وتأنيس الحيوان ، واطعام دود القز للحصول منها على الحرير. وأوصى وهو على فراش الموت أن يخلفه سن نونج ، فقد أدخل هذا الامبراطور في البلاد الزراعة ، واخترع المحراث الخشبي ، وأقام الاسواق وأوجد التجارة ، وأنشأ علم الطب بما عرفه من خواص النبات العلاجية ، هذا ما تقوله الاساطير التي تعلي الاشخاص أكثر مما تعلي الافكار ، وتعزو إلى عدد قليل من الافراد نتائج كدح الاجيال الطوال. ثم حكم امبراطور محارب قوى يدعى هوانج دي لم يطل عهده أكثر من مائة عام ، فأدخل إلى الصين المغناطيس والعجلات ، ووظف المؤرخين الرسميين ، وشاد أول أبنية من الآجر في الصين ؛ وأقام مرصدا لدراسة النجوم ، وأصلح التقويم ، وأعاد توزيع الأرض على الأهلين. وحكم "يَو" قرنا آخر ، وبلغ من صلاح حكمه أن كنفوشيوس ، حين كتب عنه بعد زمانه بثمانمائة وألف عام في عهد كان يبدو له بلا ريب عهدا "حديثا" فاسدا ، أخذ يندب ما طرأ على الصين من ضعف وانحلال. ويحدثنا الحكيم القديم- الذي لم يستطع رغم حكمته التورع عن "الكذبة الصالحة" يضيفها إلى القصة ليجعل لها مغزى خلقيا- يحدثنا هذا الحكيم القديم أن الناس أصبحوا أفاضل أتقياء بمجرد النظر إلى "يو" ، وكان أول ما قدمه "يو" من معونة للمصلحين أن وضع في خارج باب قصره طبلا يضربونه اذا أرادوا أن يدعوه لسماع شكواهم ولوحا يكتبون عليه ما يشيرون به على الحكومة ويقول كتاب التاريخ الذائع الصيت: "أما يَوْ الصالح فيقولون عنه انه حكم جونج- جُوُو مائة عام لأنه عاش مائة عام وعشرة وستة ؛ وكان رحيما خيرا كالسماء ، حكيما بصيرا كالآلهة ، وكان ضياؤه يبدو من بعيد كالسحابة اللامعة ، فاذا اقتربت منه كان كأنه الشمس الساطعة. وكان غنيا في غير زهو ، عظيما في غير ترف وكان يلبس قلنسوة صفراء ، ومئزرا قاتم اللون ، ويركب عربة حمراء تجرها جياد بيض. وكانت طنف أسقف بيته غير مشذبة ، وألواحه غير مسحجة ، ودعائمه الخشبية غير ذات أطراف مزينة. وكان أغلب ما يقتات به الحساء أيا كان ما يصنع منه ، لا يهتم باختيار الحبوب التي يصنع منها خبزه ، وكان يشرب حساء العدس من صفحة مصنوعة من الطين ، ويتناوله بملعقة من الخشب. ولم يكن يتحلى بالجواهر ، ولم تكن ثيابه مطرزة ، بل كانت بسيطة لا يختلف بعضها عن بعض. ولم يكن يعني بغير المألوف من الاشياء أو الغريب من الاحداث ، ولم يكن يقيم وزنا للأشياء النادرة الغريبة ، يستمع لأغاني الغزل ، عربته الرسمية خالية من أسباب الزينة. يلبس في الصيف رداء بسيطا من القطن ، ويلف جسمه في الشتاء بجلود الظباء. ومع هذا كله فقد كان أغنى من حكم جونج- جوو ، طوال عهدها كله ، وأرجحهم عقلا ، وأطولهم عمرا ، وأحبهم إلى قلوب الشعب.
وكان شون آخر هؤلاء "الملوك الخمسة" مثالا في البر البنوي ، كما كان هو البطل الذي جاهد لحماية البلاد من فيضانات نهر هوانج- هو ، والذي أصلح التقويم ، وضبط الموازين والمقاييس ، وكسب محبة الاجيال التي جاءت بعده من تلاميذ المدارس بتقصير طول السوط الذي كانوا يربون به. وتقول الروايات الصينية إن شون في آخر أيامه رفع معه على العرش أقدر مساعديه ، وهو المهندس العظيم يو ، الذي تغلب على فيضان تسعة أنهار بشق تسعة جبال واحتفار تسع بحيرات ، ويقول الصينيون "لولا يو ، لكنا كلنا سمكا". وتقص الأساطير المقدسة ان خمر الأرز عصر في أيامه وقدم للامبراطور ، ولكن "يو" صبه على الارض وقال متنبئا: "سيأتي اليوم الذي يخسر فيه أحد الناس بسبب هذا الشيء ملكا" ، ثم نفي من كشف هذا الشرب من البلاد وحرم على الناس شربه. فلما فعل هذا جعل الناس خمر الأرز شرابهم القومي ، فكان ذلك درسا علموه لمن جاء بعدهم من الخلائق. وغيّر يو المبدأ الذي كان متبعا من قبله في وراثة الملك وهو أن يعين الامبراطور قبل وفاته من يخلفه على العرش ، فجعل الملك وراثيا في أسرته ، وأنشأ بذلك أسرة الشيتية (أي المتحضرة)، فكان ذلك سببا في أن يتعاقب على حكم الصين العباقرة والبلهاء وذوو المواهب الوسطى. وقضى على هذه الاسرة امبراطور ذو أطوار شاذة ، يدعى جية أراد أن يسلي نفسه هو وزوجته فأمر ثلاثة آلاف من الصينيين أن يموتوا ميتة هنيئة بالقفز في بحيرة من النبيذ.
وليس لدينا ما يحقق لنا صدق ما ينقله إلينا المؤرخون الصينيون الأقدمون من أخبار هذه الاسرة. وكل ما نستطيع أن نقوله أن علماء الفلك في هذه الايام قد حققوا تاريخ الكسوف الشمسي الذي ورد ذكره في السجلات القديمة فقالوا انه قد حدث في عام 2165 ق. م، ولكن الثقاة الذين يعتد بآرائهم لا يؤمنون بحساب أولئك الفلكيين. وقد وجدت على بعض العظام التي كشفت في هونان أسماء حكام تعزوهم الروايات الصينية إلى الاسرة الثانية أو أسرة شانج ؛ ويحاول المؤرخون أن يعزوا بعض الاواني البرونزية الموغلة في القدم إلى أيام تلك الأسرة. أما فيما عدا هذا فمرجعنا الوحيد هو القصص الذي يحوي من الطرافة واللذة أكثر مما يحوي من الحقيقة. وتقول الروايات القديمة ان وو- يي أحد أباطرة أسرة شانج كان كافرا يتحدى الآلهة ويسب روح السماء ، ويلعب الشطرنج مع ذلك الروح ويأمر احد افراد حاشيته بان يحرك القطع بدل الروح ، فاذا أخطأ سخر منه. ثم أهدى اليه كيسا من الجلد وملأه دماً ، وأخذ يسلي نفسه بأن يصوب اليه سهامه. ويؤكد لنا المؤرخون- وفيهم من الفضيلة أكثر مما في التاريخ نفسه- ان وو- يي أصابته صاعقة فأهلكته. وكان جوسين آخر ملوك هذه الاسرة ومخترع عصى الطعام خبيثا آثما إلى حد لا يكاد يصدقه العقل ، فقضى بإثمه على اسرته. ويحكى عنه أنه قال: "لقد سمعت أن لقلب الانسان سبع فتحات ، وأحب أن أتثبت من صدق هذا القول في بي كان"- وزيره وكانت تاكي زوجة جو مضرب المثل في الفجور والقسوة ، فكانت تعقد في بلاطها حفلات الرقص الخليع ، وكان الرجال والنساء يسرحون ويمرحون عارين في حدائقها. فلما غضب الناس من هذه الفعال عمدت إلى كم أفواههم باختراع ضروب جديدة من التعذيب ، فكانت ترغم المتذمرين على أن يمسكوا بأيديهم معادن محمية في النار أو يمشوا على قضبان مطلية بالشحم ممتدة فوق حفرة مملوءة بالفحم المشتعل ، فإذا سقط الضحايا في الحفرة طربت الملكة حين تراهم تشوى أجسادهم في النار.
وقضت على عهد جوسين مؤامرة دبرها الثوار في داخل البلاد ، وغارة من ولاية جو الغربية ، ورفع المغيرون على العرش أسرة جو ، وقد دام حكمها أطول من حكم أية أسرة مالكة أخرى في بلاد الصين. وكافأ الزعماء المنتصرون من أعانوهم من القواد والكبراء بأن جعلوهم حكاما يكادون أن يكونوا مستقلين في الولايات الكثيرة التي قسمت اليها الدولة الجديدة. وعلى هذا النحو بدأ عهد الاقطاع الذي كان فيما بعد شديد الخطر على حكومة البلاد ، والذي كان رغم هذا باعثا على النشاط الادبي والفلسفي في بلاد الصين. وتزاوج القادمون الجدد والسكان الأولون وامتزجوا جميعا، وكان امتزاجهم هذا تمهيدا بيولوجيا لأولى حضارات الشرق الأقصى في الازمنة التاريخية.

الحضارة الصينية الأولى

لم تكن الولايات الإقطاعية ، التي وهبت الصين بعدئذ ما استمتعت به من نظام سياسي قرابة ألف عام ، من عمل الفاتحين ، بل نشأت من المجتمعات الزراعية التي قامت في الأيام البدائية بامتصاص أقوياء الزراع ضعافهم ، أو باندماج الجماعات تحت رياسة زعيم واحد حتى يستطيعوا أن يدفعوا عن حقولهم من يغيرون عليها من الهمج المحيطين بهم. وبلغ عدد هذه الإمارات في وقت من الأوقات سبع عشرة ولاية تتكون كل منها في العادة من بلدة مسورة تحيط بها أرض زراعية ومن ضواح مسورة أصغر منها يتألف من مجموعها محيط دفاعي واحد. ثم أخذت هذه الولايات يندمج بعضها في بعض على مهل حتى نقص عددها إلى خمس وخمسين ولاية تشمل الإقليم الذي يعرف الآن بإقليم هونان وما جاوره من أقاليم شانسي ، و شنسى ، و شانتونج. وكان أهم هذه الولايات الخمس والخمسين ولاية تشي التي وضعت أساس الحكومة الصينية ، وولاية تشين التي أخضعت سائر الولايات لحكمها وأنشأت منها امبراطورية موحدة ، وخلعت على بلاد الصين اسمها المعروفة به في جميع بلاد العالم إلاّ فيها هي نفسها. وكان السياسي العبقري الذي وضع لولاية تشي نظامها هو جوان جونج مستشار الدوق هوان. وقد بدأ جوان حياته السياسية بمساعدة أخى هوان عليه في نزاعهما من أجل السيطرة على تشي ، وكاد يقتل هوان في إحدى الوقائع الحربية. ولكن هوان انتصر في آخر الأمر وأسر جوان وعينه رئيس وزراء دولته. وزاد جوان من قوة سيده باستبدال الأسلحة والأدوات الحديدية بنظائرها المصنوعة من البرونز ، وباحتكار الحكومة للحديد والملح أو بالسيطرة عليهما ، ثم فرض الضرائب على النقود والسمك والملح "لكي يساعد الفقراء ويكافئ الحكماء وذوي المواهب". وأصبحت تشي في أيام وزارته الطويلة الأجل دولة حسنة النظام ذات عملة مستقرة ، ونظام اداري محكم ، وثقافة زاهرة. وقد قال عنه كنفوشيوس- وهو الذي لم يكن يمتدح الساسة إلا بأوجز عبارة- "إن الناس لا يزالون حتى اليوم يستمتعون بالنعم التي أسبغها عليهم ، ولولا جوان جونج لظللنا حتى اليوم ذوي شعر أشعث ، ولظلت ملابسنا تزرر جهة الشمال". وفي بلاط نبلاء الاقطاع نشأت طريقة التحية التي امتاز بها الصينيون المهذبون ، كما نشأت فيها شيئا فشيئا تقاليد من الاخلاق والاحتفالات ومراسم التكريم بلغت من الدقة حدا يكفيها لأن تحل محل الدين عند الطبقات العليا في المجتمع. ثم وضعت أسس الشرائع وبدأ نزاع شديد بين حكم العادات التي نمت عند عامة الشعب وبين حكم القانون الذي وضعته الدولة. وأصدرت دوقيتا جنج وتشين (في عامي 535 512 ق. م) كتبا في القانون ملأت قلوب الفلاحين رعبا ، وتنبئوا بما سيحل بهما من عقاب سماوي شديد على هذه الجريمة الشنيعة. وحدث بالفعل أن دمرت النار عاصمة جنج بعد ذلك بقليل. وكان في هذه الشرائع محاباة للطبقات العليا ، فقد أعفتها من كثير من الواجبات المفروضة على غيرها من الطبقات على شريطة أن يؤدب أفرادها أنفسهم. من ذلك أن القاتل منهم كان يسمح له بأن ينتحر ، وكان الكثيرون منهم ينتحرون بالفعل على النحو الذي أصبح فيما بعد عادة مألوفة بين طبقةالسموراي في اليابان. واحتج عامة الشعب على هذه التفرقة ، وقالوا أن في مقدورهم هم أيضا أن يؤدبوا أنفسهم ، وتمنوا أن يقوم بينهم وطني مخلص شبيه بهرموديس أو أرستجيتون يحررهم من ظلم القوانين. ثم تراضت الفئتان آخر الأمر واتفقتا على حل سليم فضيقت دائرة القانون الوضعي حتى لم تعد تشمل الا المسائل الكبرى أو المسائل القومية ، وظلت أحكام العرف والعادة هي الفيصل فيما دونها من الأمور.
واذ كانت الكثرة الغالبة من شئون البشر من المسائل الصغرى فقد ظل حكم العادة هو السائد بين كافة الطبقات. واستمر تنظيم الولايات يجري في مجراه ، وجمعت قواعد هذا النظام في الجو- لي ، أو "دستور جو" وهو مجموعة من الشرائع تعزوها الروايات إلى جو جونج عم دوق جو الثاني وكبير وزرائه ، وهو بالطبع قول لا يقبله عقل لأن هذه الشرائع لا يمكن أن تكون من وضع رجل واحد. والواقع إن الإنسان يلمح فيها روح كونفوشيوس و منشيس ، ولهذا فأكبر الظن أنها وضعت في آخر أيام أسرة جو لا في أيامها الاولى. وقد ظلت مدى ألفي عام تمثل فكرة الصينيين عن النظام الحكومي: وقوامه إمبراطور يحكم نيابة عن الخالق ، وأنه "ابن السماء" يستمد سلطانه مما يتصف به من الفضيلة والصلاح ؛ وأعيان ، بعضهم بحكم مولدهم وبعضهم بحكم تربيتهم وتدريبهم ، يصرفون أعمال الدولة ؛ وشعب يرى أن واجبه فلح الارض يعيش في أسر أبوية ويتمتع بالحقوق المدنية ولكنه لا رأي له في تصريف الشؤون العامة ؛ ومجلس من ستة وزراء كل واحد منهم على ناحية من النواحي الآتية وهي: "حياة الإمبراطور وأعماله ، ورفاهية الشعب وزواج أفراده المبكر ، والمراسيم والتنبؤات الدينية ، والاستعداد للحرب والسير فيها ، وتوزيع العدالة بين السكان وتنظيم الأشغال العامة".
ويكاد هذا القانون يكون قانونا مثاليا ، وأكبر الظن أنه نبت في عقل فيلسوف أفلاطوني مجهول لم يتحمل أعباء الحكم ، لا من تجارب زعماء دنستهم السلطة الفعلية ويتعاملون مع خلائق حقيقيين. ولما كان الشر المستطير قد يجد له مكانا حتى في أكمل الدساتير ، فقد كان تاريخ الصين السياسي هو التاريخ المألوف الذي يتناوبه الفساد الطويل وفترات الإصلاح القصيرة. ذلك أن الثروة حين زادت أدت إلى الإسراف والترف فأفسدا الطبقة العليا ، كما غصّ بلاد الأباطرة وغصت فيما بعد لويانج عاصمة الدولة بالموسيقيين والقتلة والسفاحين والسراري والفلاسفة. وقلما كانت تمضي عشر سنين دون أن يهاجم فيها الدولة الجديدة البرابرة الجياع الذين لم ينقطعوا يوما ما عن الضغط على حدودها ، حتى أضحت الحرب أولا ضرورة لا بد منها للدفاع ، ثم صارت بعد قليل حرب هجوم واعتداء ، وتدرجت من ألعاب يتسلى بها الأعيان إلى مسابقات في التقتيل بين عامة الشعب ، يطاح فيها بعشرات الآلاف من الرؤوس ، فلم يمض إلاّ قرنان من الزمان أو أكثر منهما بقليل حتى قتل من الملوك ستة وثلاثون ، وعمت البلاد الفوضى ، ويئس الحكام من إصلاح الأمور. وظلت الحياة تتعثر في طريقها متخطية هذه العقبات القديمة فكان الفلاّح يزرع ويحصد لنفسه في أحيان قليلة وللنبلاء الإقطاعيين في أكثر الاحيان ، لأنه هو وأرضه كانا ملكا لهؤلاء النبلاء ، ولم يبدأ الفلاحون في امتلاك الارض الاّ في أواخر أيام هذه الأسرة. وكانت الدولة- وهي مجتمع مهلهل من النبلاء الإقطاعيين يعترفون بعض الاعتراف بسيادة واحد منهم- تجند العمال للأشغال العامة ، وتروى الحقول من قنوات كثيرة منبثة في أنحاء البلاد ؛ وكان الموظفون العموميون يعلّمون الأهلين زرع الحقول وغرس الأشجار ؛ ويشرفون على صناعة الحرير بكافة أجزائها. وكان صيد السمك واستخراج الملح من باطن الأرض احتكارا للحكومة في كثير من الولايات.
وكانت التجارة الداخلية رائجة في المدن فنشأت من رواجها طبقة وسطى صغيرة العدد تستمتع بنعم لا تكاد تفترق عن نعم الحياة الحديثة ، وكان أفرادها ينتعلون أحذية من الجلد ، ويرتدون ملابس من الحرير ، أو من نسيج آخر يغزلونه بأيديهم ، وينتقلون في عربات مختلفة الانواع ، أو في قوارب تسير في الأنهار ، ويسكنون بيوتا حسنة البناء ، ويستخدمون الكراسي والنضد ، ويتناولون طعامهم في صحاف وأواني من الخزف المنقوش. وأكبر الظن أن مستوى حياتهم كان أرقى من مستوى حياة معاصريهم في بلاد اليونان أيام صولون Solon أو في روما أيام نوما Numa.
وسرت في الحياة الذهنية في الصين بين ظروف التفلك ومظاهر الفوضى السائدة في البلاد حيوية تنقض ما يضعه المؤرخون من نظريات وقواعد عامة يريدون أن يأخذ بها الناس ؛ فقد وضعت في هذا العهد المضطرب قواعد اللغة الصينية والأدب والفلسفة والفن. ونشأ من ائتلاف الحياة التي أصبحت آمنة بفضل التنظيم الاقتصادي والادخار مع الثقافة التي لم تكن قد وحدت بعد أو قيدت بالقيود والأحكام التي تفرضها عليها التقاليد والحكومة الإمبراطورية القوية السلطان ، نشأ من ائتلافهما ذلك الاطار الاجتماعي الذي احتوى أكثر العهود إبداعا وإنشاء في تاريخ الصين الذهني. فكان في كل قصر من قصور الأباطرة والأمراء وفي آلاف من المدن والقرى شعراء ينشدون القصائد ، وصناع يديرون عجلة الفخار أو يصبون الآنية الفخمة الجميلة ، وكتبة ينمقون على مهل حروف الكتابة الصينية وسفسطائيون يعلمون الطلبة المجدين أساليب الجدل والمحاجة الذهنية ، وفلاسفة يتحسرون ويأسون لنقائص البشر وتدهور الدول. وسندرس في الفصول التالية حال الفن واللغة في أكمل تطوراتهما وأخص خصائصهما ، ولكن الشعر والفلسفة من نتاج هذا العصر الذي نتحدث عنه بنوع خاص ، وهما يجعلانه أكثر عصور الفكر الصيني ازدهارا. ولقد ضاع معظم ما كتب من الشعر قبل كنفوشيوس ، وأكثر ما بقي منه هو ما اختاره هذا الفيلسوف من نماذج كلها جد وصرامة ، جمعت في الشي- جنج ، أي "كتاب الأغاني" وقيلت في فترة تزيد على ألف عام تمتد من أيام الشعر القديم الذي قيل في أيام أسرة شانج إلى الشعر ذي الصبغة الحديثة الذي قيل في زمن معاصر لفيثاغورس. وتبلغ عدة هذه القصائد الباقية خمس قصائد وثلثمائة قصيدة ، وكلها موجزة إيجازا يجعلها مستعصية على الترجمة ، ذات تصوير إيحائي ، تتحدث عن الدين ومتاعب الحرب وهموم الحب. والى القارئ أمثلة من نواح الجنود الذين انتزعوا من بيوتهم في غير الأوقات المناسبة ؛ ليلقى بهم في مخالب المنايا لغير سبب تدركه عقولهم:

المعلم القديم

كان لو دزه ، أعظم فلاسفة الصين قبل كنفوشيوس ، أكثر حكمة من تنج شي ؛ فقد كان يعرف حكمة الصمت ، وما من شك أنه عمر طويلا وإن لم نكن واثقين من أنه عاش حقا. ويحدثنا المؤرخ الصيني زوماتشين أن لو- دزه عافت نفسه سفالة السياسيين ، ومل عمله في أمانة مكتبة جو الملكية ، فاعتزم أن يغادر الصين ليبحث له عن ملجأ بعيد منعزل في الريف. "فلما أن وصل إلى حدود البلاد قال له الحارس ين شي: إنك إذن تنشد العزلة ، وأنا أرجوك أن تكتب لي كتابا. فكتب له لو- دزه كتابا من جزأين في الدو والدي يشتمل على خمسة آلاف كلمة. ولما أن أتمه اختفى ولم يعلم أحد أين مات". لكن الروايات والاقاصيص ، التي لا تخفى عليها خافية ، تقول أنه عاش سبعة وثمانين عاما. ولم يبق لنا منه الا اسمه وكتابه وقد لا يكون هذا أو ذاك له. فأما لو- دزه ، فوصف معناه "المعلم القديم" وأما أسمه الحقيقي فهو ، كما تقول الرواية، لي أي البرقوقة. والكتاب الذي يعزى إليه مشكوك فيه شكا أثار كثيرا من الجدل العلمي حول أصله ولكن الباحثين جميعا متفقون على أن الدو- ده- جنج- أي "كتاب الطريقة والفضيلة"- هو أهم النصوص الخاصة بالفلسفة الدوية التي يقول العلماء الصينيون انها وجدت قبل لو- دزه بزمن طويل ، والتي كان لها من بعده أنصار من الطراز الاول ، والتي صارت فيما بعد دينا تعتنقه أقلية كبيرة من الصينيين من أيامه إلى وقتنا هذا ، وجملة القول أن مؤلف الدو- ده- جنج مسألة ذات أهمية ثانوية ، وأما الآراء التي احتواها الكتاب فمن أبدع ما كتب في تاريخ الفكر الانساني. ومعنى لفظ الدَّو هو الطريقة: وهي أحيانا طريقة الطبيعة، وأحيانا الطريقة الدوية للحياة الحكيمة. أما المعنى الحرفي لهذا اللفظ فهو الطريق. وهو في الاصل طريقة للتفكير أو للامتناع عن التفكير ، وذلك لأن الدويين يرون أن التفكير أمر عارض سطحي لاغير فيه الا للجدل والمحاجاة ، يضر الحياة اكثر مما ينفعها. اما "الطريقة" فيمكن الوصول اليها بنبذ العقل وجميع مشاغله ، وبالالتجاء إلى حياة العزلة والتقشف والتأمل الهادئ في الطبيعة. وليس العلم في رأي صاحب الكتاب فضيلة ، بل ان السفلة قد زاد عددهم من يوم أن انتشر العلم. وليس العلم هو الحكمة ، ذلك لأنه لا شيء أبعد عن الرجل الحكيم من "صاحب العقل". وشر أنواع الحكومات التي يمكن تصورها حكومة الفلاسفة ؛ ذلك أنهم يقحمون النظريات في كل نظام طبيعي ؛ وأكبر دليل على عجزهم عن العمل هو قدرتهم على إلقاء الخطب والإكثار من الاراء ، وفي ذلك يقول الكتاب: ان المهرة لا يجادلون ؛ وأصحاب الجدل عطل من المهارة. واذا ما نبذنا المعارف نجونا من المتاعب. والحكيم يبقي الناس على الدوام بلا علم ولا شهوة ، واذا وجد من لهم علم منعهم من الاقدام على العمل. وان الاقدمين الذين أظهروا براعتهم في العمل بما في الدو لم يفعلوا ما فعلوه لينيروا عقول الناس بل ليجعلوهم سذجا جهلاء.
والصعوبة التي يواجهها الحكام انما تنشأ من كثرة ما عند الناس من العلم ، ومن يحاول حكم دولة من الدول بعلمه وحكمته ينكل بها ويفسد شئونها ، أما الذي لا يفعل هذا فهو نعمة لها وبركة. وانما كان صاحب الفكر خطرا على الدولة لأنه لا يفكر الا في الانظمة والقوانين ؛ فهو يرغب في اقامة مجتمع على قواعد هندسية ، ولا يدرك أن أنظمته انما تقضي على ما يتمتع به المجتمع من حرية حيوية ، وما في أجزائه من نشاط وقوة. أما الرجل البسيط الذي يعرف من تجاربه ما في العمل الذي يتصوره ويقوم به بكامل حريته من لذة ، وما ينتجه من ثمرة ، فهو أقل من العالم خطرا على الامة اذا تولى تدبير أمورها ، لأنه لا يحتاج إلى من يدله على أن القانون شديد الخطر عليها ، وأنه قد يضرها أكثر مما ينفعها. فهذا الرجل لا يضع للناس من الانظمة الا أقل قدر مستطاع ، واذا تولى قيادة الامة ابتعد بها عن جميع أفانين الخداع والتعقيد ، وقادها نحو البساطة العادية التي تسير فيها الحياة سيرا حكيما على النهج الطبيعي الحكيم الرتيب الخالي من التفكير ، وحتى الكتابة نفسها يهمل أمرها في هذا النمط من الحكم لأنها أداة غير طبيعية تهدف إلى الشر. فإذا تحررت غرائز الناس الاقتصادية التلقائية التي تحركها شهوة الطعام والحب من القيود التي تفرضها الحكومات دفعت عجلة الحياة في مسيرها البسيط الصحيح. وفي هذه الحال تقل المخترعات التي لا تفيد الا في زيادة ثراء الاغنياء وقوة الاقوياء ؛ وتنمحي الكتب والقوانين والصناعات ولا تبقى الا التجارة القروية. "ان كثرة النواهي والمحرمات في المملكة تزيد من فقر الأهلين. وكلما زاد عدد الأدوات التي تضاعف من كسبهم زاد نظام الدولة والعشيرة اضطرابا ، وكلما زاد ما يجيده الناس من أعمال الختل والحذق زاد عدد ما يلجئون إليه من حيل غريبة وكلما كثرت الشرائع والقوانين كثر عدد اللصوص وقطاع الطرق ؛ ولهذا قال أحد الحكماء: " لن أفعل شيئا ، فيتبدل الناس من تلقاء أنفسهم ، وسأولع بأن أبقى ساكنا فينصلح الناس من تلقاء أنفسهم ، ولن أشغل بالي بأمور الناس فيثرى الناس من تلقاء أنفسهم ؛ ولن أظهر شيئا من المطامع فيصل الناس من تلقاء أنفسهم إلى ما كانوا عليه من سذاجة بدائية.
وسأنظم الدولة الصغيرة القليلة السكان بحيث اذا وجد فيها أفراد للواحد منهم من الكفايات ما لعشرة رجال أو مائة رجل فلن يكون لهؤلاء الافراد عمل ؛ وسأجعل الناس فيها ، وان نظروا إلى الموت على أنه شيء محزن يؤسف له ، لا يخرجون منها (لينجوا بأنفسهم منه) ؛ ومع أن لهم سفنا وعربات فإنهم لا يرون ما يدعوا إلى ركوبها ؛ ومع أن لهم ثيابا منتفخة وأسلحة حادة ، فإنهم لا يجدون ما يدعوا إلى لبس الاولى أو استخدام الثانية ، وسأجعل الناس يعودون إلى استخدام الحبال المعقودة. وسيرون أن طعامهم (الخشن) وملابسهم (البسيطة) جميلة ، ومساكنهم (الحقيرة) أمكنة للراحة ، وأساليبهم العادية المألوفة مصادر للذة والمتعة ، وإذا كانت هناك دولة مجاورة قريبة منا نراها بأعيننا وتصل إلى آذاننا منها نقنقة الدجاج ونباح الكلاب ، فإني لن أجعل للناس وان طال عمرهم صلة بها إلى يوم مماتهم". ترى ما هي هذه الطبيعة التي يرغب لَوْ- دزه ، في أن يتخذها مرشدا له وهاديا؟ ان هذا المعلم القديم يفرق بين الطبيعة والحضارة تفريقا محددا واضح المعالم ، كما فعل روسو من بعده في عباراته الطنانة الرنانة التي يطلق عليها الناس اسم "التفكير الحديث" ؛ فالطبيعة في نظره هي النشاط التلقائي ، وانسياب الحوادث العادية المألوفة ، وهي النظام العظيم الذي تتبعه الفصول وتتبعه السماء ؛ وهي الدو أو الطريقة الممثلة المجسمة في كل مجرى وكل صخرة وكل نجم ؛ وهي قانون الاشياء العادل الذي لا يحفل بالاشخاص ، ولكنه مع ذلك قانون معقول يجب أن يخضع له قانون السلوك اذا اراد الناس أن يعيشوا في حكمة وسلام.
وقانون الاشياء هذا هو الدو أو طريقة الكون كما أن قانون السلوك هو الدو أو طريقة الحياة. ويرى لو دزه ، أن الدوين في واقع الامر دو واحد وأن الحياة في تناغمها الاساسي السليم ليست الا جزءا من تناغم الكون. وفي هذا الدو الكوني تتوحد جميع قوانين الطبيعة وتكون مادة الحقائق كلها التي يقول بها اسبنوزا ؛ وفيه تجد كل الصور الطبيعية على اختلاف أنواعها مكانها الصحيح ، وتجتمع كل المظاهر التي تبدو للعين مختلفة متناقضة ، وهو الحقيقة المطلقة التي تتجمع فيها كل الخصائص والمعضلات لتتكون منها وحدة هيجل Hegel الشاملة". ويقول لو إن طبيعة قد جعلت حياة الناس في الايام الخالية بسيطة آمنة ، فكان العالم كله هنيئا سعيدا. ثم حصل الناس "المعرفة" فعقدوا الحياة بالمخترعات وخسروا كل طهارتهم الذهنية والخلقية ، وانتقلوا من الحقول إلى المدن ، وشرعوا يؤلفون الكتب ، فنشأ من ذلك كل ما أصاب الناس من شقاء ، وجرت من أجل ذلك دموع الفلاسفة. فالعاقل اذن من يبتعد عن هذا التعقيد الحضري وهذا التيه المفسد الموهن تيه القوانين والحضارة ، ويختفي بين أحضان الطبيعة ، بعيدا عن المدن والكتب ، والموظفين المرتشين ، والمصلحين المغترين.
وسر الحكمة كلها وسر القناعة الهادئة ، وهي وحدها التي يجد فيها الانسان السعادة الابدية ، هو الطاعة العمياء لقوانين الطبيعة ، ونبذ جميع أساليب الخداع وأفانين العقل ، وقبول جميع أوامر الطبيعة الصادرة من الغرائز ، والشعور في ثقة واطمئنان ، والجري على سنن الطبيعة الصامتة وتقليدها في تواضع. ولعلنا لا نجد في الأدب كله فقرة أكثر انطباقا على العقل والحكمة من الفقرة الآتية: ان كل ما في الطبيعة من أشياء تعمل وهي صامتة ، وهي توجد وليس في حوزتها شيء ، تؤدي واجبها دون أن تكون لها مطالب ، وكل الاشياء على السواء تعمل عملها ثم تراها تسكن وتخمد ، واذا ما ترعرعت وازدهرت عاد كل منها إلى أصله ، وعودة الاشياء إلى أصولها معناها راحتها وأداؤها ما قدر لها أن تؤديه. وعودتها هذه قانون أزلي ، ومعرفة هذا القانون هي الحكمة. والخمود الذي هو نوع من التعطل الفلسفي وامتناع عن التدخل في سير الاشياء الطبيعي وهو ما يمتاز به الحكيم في جميع مناحي الحياة ، فاذا كانت الدولة مضطربة مختلة النظام فخير ما يفعل بها ألا يحاول الانسان اصلاح أمورها ، بل أن يجعل حياته نفسها أداء منظما لواجبه ، واذا ما لاقى الانسان مقاومة فأحكم السبل ألا يكافح أو يقاتل أو يحارب بل أن يتروى في سكون ، وأن يكسب ما يريد أن يكسبه ، اذا كان لا بد من الكسب ، بالخضوع والصبر ؛ ذلك أن المرء ينال من النصر بالسكون أكثر مما يناله بالعمل ، وفي هذا يحدثنا لو- دزه حديثا لا يكاد يختلف في لهجته عن حديث المسيح: "اذا لم تقاتل الناس فان أحدا على ظهر الارض لن يستطيع أن يقاتلك. قابل الاساءة بالإحسان. أنا خير للأخيار ، وخير أيضا لغير الأخيار ؛ وبذلك يصير الناس جميعاأخيارا ؛ وأنا مخلص للمخلصين ، ومخلص أيضا لغير المخلصين وبذلك يصير الناس جميعامخلصين.
وألين الأشياء في العالم تصدم أصلبها وتتغلب عليها. وليس في العالم شيء ألين أو أضعف من الماء ، ولكن لا شيء أقوى من الماء في مغالبة الأشياء الصلبة القوية". وتبلغ هذه الآراء غايتها في الصورة التي يتخيلها "لو" للرجل الحكيم. وقبل أن نرسم للقارئ هذه الصورة نقول أن من أخص خصائص المفكرين الصينيين أنهم لا يتحدثون عن القديسين بل يتحدثون عن الحكماء ، وأنهم لا يتحدثون عن الصلاح بقدر ما يتحدثون عن الحكمة. فليس الرجل المثالي في نظر الصينيين هو التقي العابد ، بل هو صاحب العقل الناضج الهادئ ، الذي يعيش عيشة البساطة والسكون وان كان خليقا بأن يشغل مكانا ساميا في العالم. ذلك أن السكون هو بداية الحكمة ، والحكيم لا يتكلم حتى على الدو والحكمة ، لأن الحكمة لا تنقل الا بالقدوة والتجربة لا بالألفاظ ؛ والذي يعرف الطريقة لا يتحدث عنها ؛ والذي يتحدث عنها لا يعرفها ؛ والذي يعرفها يقفل فاه ويسد أبواب خياشيمه" ، والحكيم شيمته التواضع ، لأن الانسان متى بلغ الخمسين من عمره فقد آن له أن يدرك أن المعرفة شيء نسبي ، وأن الحكمة شيء ضعيف سهل العطب ؛ واذا عرف الحكيم أكثر مما يعرف غيره من الناس حاول أن يخفي ما يعرفه "فهو يحاول أن يقلل من سناه ولألائه ويوائم بين سناه وقتام غيره ؛ وهو يتفق مع السذج أكثر مما يتفق مع العلماء ، ولا يألم من غريزة المعارضة التي هي غريزة طبيعية في الأحداث المبتدئين. وهو لا يعبأ بالثروة أو السلطان ، بل يخضع شهواته إلى الحد الادنى الذي يكاد يتفق مع العقيدة البوذية: "ليس لشيء عندي قيمة ، وأشتهي أن يخضع قلبي خضوعا تاما ، وأن يفرغ حتى لا يبقى فيه شيء قط. يجب أن يبلغ الفراغ أقصى درجاته ، وأن يحاط السكون بقوة لا تمل. ومن كانت هذه صفاته لا يمكن أن يعامل بجفاء أو في غير كلفة. وهو أكبر من أن يتأثر بالمكاسب أو الاذى وبالنبل أو الانحطاط وهو أنبل انسان تحت قبة السماء".
ولسنا نرى حاجة لبيان ما في هذه الآراء من اتفاق مع آراء جان جاك روسو وحسبنا أن نقول ان الرجلين قد صبا في قالب واحد مهما يكن بعد ما بينهما من الزمن ، وان فلسفتهما من نوع الفلسفة التي تظهر وتختفي ثم تعود إلى الظهور في فترات دورية ؛ ذلك بأن الناس في كل جيل يملون ما في حياة المدن من كفاح وقسوة وتعقيد وتسابق ، فيكتبون عن مباهج الحياة الريفية الرتيبة كتابة تستند إلى الخيال أكثر مما تستند إلى العلم بحقائق الامور. وما من شك في أن المرء لا بد له من خبرة سابقة طويلة بحياة المدن اذا شاء أن يكتب شعرا عن الريف "والطبيعة" لفظ طيع سهل على لسان كل باحث في الاخلاق أو الدين ؛ وهو لا يوائم علم دارون ولا أخلاقيةنتشة أكثر مما يوائم فلسفة "لو دزه" والمسيح المتعقلة الحلوة. ذلك أن الانسان اذا ما سار على سنن الطبيعة أدى به هذا إلى قتل أعدائه وأكل لحومهم لا إلى ممارسة الفلسفة ، وقلّ أن يكون وضيعا ذليلا ، وأقل من هذا أن يكون هادئا ساكنا. بل ان فلح الارض- وهو العمل الشاق المؤلم- لا يوائم قط ذلك الجنس من الناس الذي اعتاد الصيد والقتل ؛ ولهذا كانت الزراعة من الاعمال "غير الطبيعية" مثلها في هذا كمثل الصناعة سواء بسواء. على أن في هذه الفلسفة رغم هذا كله شيئا من السلوى وراحة البال. وأكبر ظننا أننا نحن أيضا حين تبدأ نيران عواطفنا في الخمود سنرى فيها غير قليل من الحكمة ؛ وسنرى فيها السلم المريح الذي ينبعث من الجبال غير المزدحمة ومن الحقول الرحبة. ان الحياة تتأرجح بين فولتير وروسو ، وبين كونفوشيوس ولو- دزه ، وبين سقراط والمسيح. واذا ما استقرت كل فكرة زمنا ما في عقولنا ، ودافعنا عنها دفاعا ليس فيه شئ من البسالة أو من الحكمة ، مللنا نحن أيضا تلك المعركة وتركنا إلى الشباب ما كان قد تجمع لدينا من مثل عليا تناقص عديدها.

الكتب التسعة

وترك كنفوشيوس وراءه خمسة مجلدات يلوح أنه كتبها أو أعدها للنشر بيده هو نفسه ، ولذلك أصبحت تعرف في الصين باسم "الجنحات الخمسة" أو "كتب القانون الخمسة". وكان أول ما كتبه منها هو اللي- جي أو سجل المراسم ، لاعتقاده أن هذه القواعد القديمة من آداب اللياقة من الأسس الدقيقة التي لا بد منها لتكوين الأخلاق ونضجها ، واستقرار النظام الاجتماعي والسلام.
ثم كتب بعدئذ ذيولاً وتعليقات على كتاب إلاي- جنج أو كتاب التغيرات ، وكان يرى أن هذا الكتاب خير ما أهدته الصين إلى ذلك الميدان الغامض ميدان علم ما وراء الطبيعة الذي كان جد حريص على ألا يلج بابه في فلسفته.
ثم اختار ورتب الشي- جنج أو كتاب الأناشيد ليشرح فيه كنه الحياة البشرية ومبادئ الأخلاق الفاضلة.
وكتب بعد ذلك التشو- شيو أو حوليات الربيع والخريف، وقد سجل فيه تسجيلاً موجزاً خالياً من التنميق أهم ما وقع من الأحداث في "لو" موطنه الأصلي.
وكان خامس أعماله الأدبية وأعظمها نفعا أنه أراد أن يوحي إلى تلاميذه أشرف العواطف وأنبل الصفات فجمع في الشو- جنج أي كتاب التاريخ أهم وأرقى ما وجده في حكم الملوك الأولين من الحوادث أو الأقاصيص التي تسمو بها الأخلاق وتشرف الطباع، وذلك حين كانت الصين إمبراطورية موحدة إلى حد ما وحين كان زعماؤها ، كما يظن كنفوشيوس ، أبطالاً يعملون في غير أنانية لتمدين الشعب ورفع مستواه.
ولم يكن وهو يعمل في هذه الكتب يرى أن وظيفته هي وظيفة المؤرخ بل كان فيها كلها معلماً ومهذباً للشباب ، ومن أجل هذا اختار عن قصد من أحداث الماضي ما رآه ملهماً لتلاميذه لا موئساً لهم. فإذا ما عمدنا إلى هذه المجلدات لنستقي منها تاريخاً علمياً نزيها لبلاد الصين فإنا بهذا العمل نظلم كنفوشيوس أشد الظلم. فقد أضاف إلى الحوادث الواقعية خطباً وقصصاً من عنده ، صب فيها أكثر ما يستطيع من الحض على الأخلاق الكريمة والإعجاب بالحكمة. وإذا كان قد جعل ماضي بلاده مثلاً أعلى بين ماضي الشعوب ، فإنه لم يفعل أكثر مما نفعله نحن‌ بماضينا الذي لا يعدل ماضي الصين في قدمه. وإذا كان رؤساء جمهوريتنا الأولون قد أضحوا حكماء وقديسين ، ولما يمض عليهم أكثر من قرن أو قرنين من الزمان ، فإنهم سيكونون بلا شك في نظر المؤرخ الذي يُحَدّث عنهم بعد ألف عام من هذه الأيام مثلاً علياً للفضيلة والكمال شأنهم في هذا شأن يو وشون.
ويضيف الصينيون إلى هذه الجنحات الخمسة أربع شوءات أو "كتب" (كتب الفلاسفة) يتكون منها كلها "التسعة الكتب القديمة". وأول هذه الكتب وأهمها جميعاً كتاب لوق بو أو الأحاديث والمحاورات المعروف عند قُرَّاء اللغة الإنجليزية باسم "مجموعة الشذرات" أي شذرات كنفوشيوس ، كما سماه "لج Legge" في إحدى نزواته ، وليست تلك الكتب مما خطه قلم المعلم الكبير ، ولكنها تسجل في إيجاز ووضوح منقطعي النظير آراءه وأقواله كما يذكرها أتباعه. وقد جمعت كلها بعد بضع عشرات السنين من وفاته، ولعل الذين جمعوها هم مريدو مريديه ، وهي أقل ما يرتاب فيه من آرائه الفلسفية. وأكثر ما في الكتب الصينية القديمة طرافة وأعظمها تهذيباً ما جاء في الفقرتين الرابعة والخامسة من الشو الثاني ، وهو المؤلف المعروف عند الصينيين باسم الداشوه أو التعليم الأكبر. ويعزو الفيلسوف والناشر الكنفوشي جوشي هاتين الفقرتين إلى كنفوشيوس نفسه كما يعزو باقي الرسالة إلى دزنج- تسان أحد أتباعه الصغار السن. أما كايا- كويه العالم الصيني الذي عاش في القرن الأول بعد الميلاد فيعزوهما إلى كونج جي حفيد كنفوشيوس؛ على حين أن علماء اليوم المتشككين يجمعون على أن مؤلفهما غير معروف. والعلماء كلهم متفقون على أن حفيده هذا هو مؤلف كتاب جونج يونج أو عقيدة الوسط وهو الكتاب الفلسفي الثالث من كتب الصين. وآخر هذه الشوءات هو كتاب منشيس الذي سنتحدث عنه توّاً. وهذا الكتاب هو خاتمة الآداب الصينية القديمة وإن لم يكن خاتمة العهد القديم للفكر الصيني. وسنرى فيما بعد أنه خرج على فلسفة كنفوشيوس التي تعد آية في الجمود والمحافظة على القديم متمردون عليها وكفرة بها ذوو مشارب وآراء متعددة متباينة.


الحضارة/الصينية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق